سورة الفلق - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفلق)


        


{قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق} الفَلَقُ الصُّبْحُ كالفرقِ لأنَّه يفلقُ عنْهُ الليلُ والفرقُ فَعَلٌ بمعنى مفعولٍ فإنَّ كُلَّ واحدٍ منَ المفلوقِ والمفلوقِ عنْهُ مفعولٌ وقيلَ هُوَ ما انفلقَ منْ عمودِهِ وقيلَ هُو كُلَّ ما يفلُقُهُ الله تعالَى كالأرضِ عنِ النباتِ والجبالِ عنِ العيونِ والسحابِ عنِ الأمطارِ والحبِّ والنَّوى عما يخرجُ منهُمَا وغيرُ ذلكَ وفِي تعليقِ العياذِ باسمِ الرَّبِّ المضافِ إلى الفلقِ المنبىءِ عنِ النورِ عَقيبَ الظلمةِ والسَّعةِ بعدَ الضيقِ والفتقِ بعدَ الرتقِ عدةٌ كريمةٌ بإعاذةِ العائذِ مِمَّا يعوذُ منْهُ وإنجائِهِ منْهُ وتقويةٌ لرجائِهِ بتذكيرِ بعضِ نظائِرِهِ ومزيدُ ترغيبٍ لَهُ في الجدِّ والاعتناءِ بقرعِ بابِ الالتجاءِ إليهِ تعالَى، وأمَّا الإشعارُ بأنَّ منْ قدرَ أنْ يزيلَ ظلمةَ الليلِ منْ هذَا العالمِ قدرَ أنْ يزيلَ عنِ العائذِ ما يخافُهُ كما قيلَ فَلاَ إذْ لا ريبَ للعائذِ في قدرتِهِ تَعَالَى عَلى ذلكَ حتى يحتاجَ إلى التنبيهِ عليهَا.
{مِن شَرّ مَا خَلَقَ} أَيْ مِنْ شَرِّ ما خلقَهُ منَ الثقلينِ وَغيرِهِما كائناً ما كانَ منْ ذواتِ الطبائعِ والاختيارِ وهَذَا كَمَا تَرَى شَاملٌ لجميعِ الشرورِ فمَنْ توهَم أنَّ الاستعاذةَ هَهُنا من المضارِّ البدنيةِ وأنَّها تعمُّ الإنسانَ وغيرَهُ مِمَّا ليسَ بصددِ الاستعاذةِ ثُمَّ جعلَ عُمومَهَا مَداراً لإضافةِ الربِّ إلى الفلقِ فقدْ نَأَى عنِ الحَقِّ بمراحلَ وإضافةُ الشرِّ إليهِ لاختصاصِهِ بعالمِ الخلقِ المؤسسِ على امتزاجِ الموادِّ المتباينةِ وتفاعلِ كيفياتِهَا المتضادةِ المستتبعةِ للكونِ والفسادِ وأما عالمُ الأمرِ فهُوَ خيرٌ محضٌ منزهٌ عنْ شوائبِ الشرِّ بالمرةِ وقولُهُ تعالَى: {وَمِن شَرّ غَاسِقٍ} تخصيصٌ لبعضِ الشرورِ بالذكرِ معَ اندراجِهِ فيما قبلَهُ لزيادةِ مساسِ الحاجةِ إلى الاستعاذةِ منْهُ لكثرةِ وقوعِهِ ولأنَّ تعيينَ المستعاذِ منْهُ أدلّ على الاعتناءِ بالاستعاذةِ وأدعَى إلى الإعاذةِ أيْ وَمِنْ شرِّ ليلٍ مُعتكرٍ ظَلامُهُ مِنْ قوله تعالَى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ} وأصْلُ الغسْقِ الامتلاءُ يقالُ غسقتِ العينُ إذا امتلأتْ دمعاً وقيلَ هُوَ السيلانُ وغسقُ الليلِ انصبابُ ظَلامِهِ وغسقُ العينِ سيلانُ دمعِهَا وإضافةُ الشرِّ إلى الليلِ لملابستِهِ لَهُ بحدوثِهِ فيهِ وتنكيرُهُ لعدمِ شمولِ الشرِّ لجميعِ أفرادِهِ ولا لكُلِّ أجزائِهِ وتقييدُهُ بقولِهِ تعالَى: {إِذَا وَقَبَ} أيْ دخلَ ظلامُهُ في كُلِّ شيءٍ لأَنَّ حدوثَهُ فيهِ أكثرُ والتحرزَ منْهُ أصعبُ وأعسرُ ولذلكَ قيلَ الليلُ أَخْفَى للويلِ وقيلَ الغاسقُ هُوَ القمرُ إذَا امتلأَ ووقوبُهُ دخولُهُ في الخسوفِ واسودادُهُ لمَا رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ رضيَ الله عنْهَا أنَّها قالتْ: «أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشارَ إلى القمرِ فقالَ تعوذِي بالله تَعَالَى منْ شَرِّ هَذا فإنَّهُ الغاسقُ إذَا وقبَ» وقيلَ التعبيرُ عنِ القمرِ بالغاسقِ لأنَّ جُرْمَهُ مظلمٌ وإنما يستنيرُ بضوءِ الشمسِ ووقوبُهُ المحاقُ في آخرِ الشهرِ والمنجمونَ يعدونَهُ نحساً ولذلكَ لا يشتغلُ السحرةُ بالسحرِ الموروثِ للتمريضِ إلاَّ في ذلكَ الوقتِ قيلَ وهُو المناسبُ لسببِ النزولِ وقيلَ الغاسقُ الثُّريا ووقوبُهَا سقوطُها لأنَّها إذَا سقطتْ كثرتِ الأمراضُ والطواعينُ وقيلَ هُو كلُّ شرَ يعترِي الإنسانَ ووقوبُهُ هجومُهُ.


{وَمِن شَرّ النفاثات فِى العقد} أيْ وَمِنْ شَرِّ النفوسِ أو النساءِ السواحرِ اللاتِي يعقدنَ عُقَداً في خيوطٍ ويَنْفُثنَ عليهَا والنفثُ النفخُ معَ ريقٍ وقيلَ بدونِ ريقٍ وقرئ: {النافثاتُ} كما قرئ: {النفثاتُ} بغيرِ ألفٍ وتعريفُهَا إمَّا للعهدِ أوْ للإيذانِ بشمولِ الشرِّ لجميعِ أفرادِهِنَّ وتمحضهنَّ فيهِ وتخصيصُهُ بالذكرِ لما رَوَى ابْنُ عبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ الله عنهُم: «أنَّهُ كانَ غلامٌ من اليهودِ يخدمُ النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ عندَهُ أسنانٌ منْ مشطِهِ عليهِ السلامُ فأعطَاهَا اليهودَ فسحرُوهُ عليهِ السلامُ فيهَا وتولاَّهُ لبَيْدُ بنُ الأَعصمِ اليهوديُّ وبناتُهُ وهُنَّ النافثاتُ في العقدِ فدفَنَها في بئرِ أريسٍ فمرضَ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فنزلَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالمعوذتينِ وأخبرَهُ بموضعِ السحرِ وبمَنْ سحرَهُ وبمَ سحرَهُ فأرسلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ علياً كرمَ الله وجْهَهُ والزبيرَ وعمَّاراً رضيَ الله عنْهُما فنزحُوا ماءَ البئرِ فكأنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ثمَّ رفعُوا أراعوثةَ البئرِ وهيَ الصخرةُ التي توضعُ في أسفلِ البئرِ فأخرجُوا منْ تحتِهَا الأسنانَ ومعَها وترٌ قدْ عُقِدَ فيهِ إحدَى عشرةَ عقدةً مغرزةً بالأبرِ فجاءُوا بهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجعلَ يقرأُ المعوذتينِ عليهَا فكانَ كلَّما قرأَ آيةً انحلتْ عقدةٌ ووجدَ عليهِ السلامُ خفةً حتَّى انحلتْ العقدةُ الأخيرةُ عندَ تمامِ السورتينِ فقامَ عليهِ السلامُ كأنَّما أنشطَ مِنْ عقالٍ فقالُوا يا رسولَ الله أفلا نقتلُ الخبيثَ فقالَ عليهِ السلامُ: أمَّا أنَا فقَد عافانِي الله عزَّ وجلَّ وأكرَهُ أنْ أثيرَ عَلى الناسِ شَراً» قالتْ عائشةُ رضيَ الله عنهَا: «ما غضبَ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ غضباً ينتقمُ لنفسِهِ قطُّ إلاَّ أنْ يكونَ شيئاً هُو لله تَعَالَى فيغضبُ لله وينتقمُ» وقيلَ المرادُ بالنفثِ في العُقَدِ إبطالُ عزائمِ الرجالِ بالحيلِ مستعارٌ مِنْ تليينِ العقدةِ بنفثِ الربقِ ليسهلَ حلُّها {وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} أيْ إذَا أظهَرَ مَا في نفسِهِ من الحسدِ وعملَ بمقتضاهُ بترتيبِ مقدماتِ الشرِّ ومبادىءِ الأضرارِ بالمحسودِ قولاً أو فعلاً والتقييدُ بذلكَ لما أنَّ ضررَ الحسدِ قبلَهُ إنما يحيقُ بالحاسدِ لا غيرَ.
عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ المعوذتينِ فكأنَّما قرأَ الكتبَ التي أنزلَهَا الله تعالَى».